المقدمة: -

يعد العرف التجاري هو المصدر والمنبع التاريخي للقانون التجاري ، قبل أن يتم تنظيمه على هيئة أنظمة وقوانين ، فالعرف التجاري هو القانون الشعبي الأول للتجارة ، ويتم التعامل به بين التجار بشكل تلقائي ولا شعوري ، من خلال الاعتياد على سلوك معين لفترة زمنية طويلة تكفي لتأصيله في نفوس المتعاملين به حتى أصبح في اعتقادهم قاعدة ملزمة واجبة الاتباع، ولم يغفل المنظم السعودي عن أهمية العرف التجاري ، ولهذا تم النص عليه في نظام المحاكم التجارية الجديد على أساس أنه إحدى وسائل الإثبات التجاري ، وخلال هذا المقال سيتم توضيح كيفية الإثبات بالعرف التجاري أمام المحاكم التجارية في المملكة العربية السعودية.

اولاً: - النص النظامي.

نصت المادة (57) من نظام المحاكم التجارية على " فيما لم يرد فيه نص خاص، أو اتفاق بين الأطراف على غيره؛ يجوز الاستناد إلى العرف التجاري، أو العادة بين الأطراف. وعلى من يتمسك بالعرف أو العادة أن يثبت وجودهما."

إذن فإن المنظم السعودي جعل العرف التجاري وسيلة من وسائل الإثبات، ولكن بشروط محددة وهي كالتالي: -

1.   إذا لم يرد نص نظامي خاص ينظم المسألة التجارية المختلف عليها.

2.   إذا لم يوجد اتفاق بين الأطراف.

3.   يجب على من يتمسك بالعرف أو العادة التجارية أن يثبت وجودها.

ثانياً: - مفهوم العرف التجاري.

لم يعرف المنظم السعودي العرف التجاري، بل عرفه الفقه القانوني، ومن أبرز تلك التعريفات؛ هو تعريف العرف التجاري بأنه مجموعة من العادات التجارية غير المكتوبة، والتي نشأت بشكل عفوي وتلقائي بين التجار في منطقة معينة وتعارفوا على احترامها في معاملاتهم لمدة زمنية طويلة، دون أن يتضمنها نص تشريعي أو اتفاق، حتى أصبحت سائدة بينهم مع اعتقادهم بإلزاميتها كالقواعد التشريعية.

ثالثاً: - شروط العرف التجاري.

لكي يتم الاعتداد بالعرف التجاري كوسيلة من وسائل الإثبات أمام المحاكم التجارية، فيجب أن يتوافر فيه مجموعة من الشروط كالتالي: -

1.   العمومية.

لكي يعد السلوك المعين قاعدة قانونية، فيجب أن يتسم بسمات القاعدة القانونية وهي العمومية والشمولية، أي الاحترام والممارسة من قبل عامة الناس، أي أن يكون العرف متبعاً من قبل غالبية التجار في المنطقة المعينة ولا يكون محصوراً على فئة قليلة او معينة من التجار دون غيرهم.

2.   الثبات واطراد العمل به.

أي أنه يجب أن يتم العمل بالسلوك المعين بصورة منتظمة ومستمرة دون العدول عنه ، أو قطعه في وقت من الأوقات ، بحيث يتيح له هذا الاستمرار والثبات والاستقرار في المجتمع التجاري المعنى ، والاعتقاد بالإلزام في الاتباع ، وإذا كان العمل الواحد أو الممارسة لمرة واحدة لا تكون عرفاً إلا أنه يوجد عدد محدد من مرات التكرار يجب استيفاءها ليكتسب السلوك صفة العرف ، حيث ان ذلك يختلف بحسب طبيعة السلوك، ويتم الاعتماد على التكرار الذي يؤدى إلى تأصيل الاعتقاد في النفوس ، حيث إن العبرة ليست بعدد التكرار وإنما بأثر التكرار.

3.   عدم مخالفة النظام العام والآداب.

يجب على العرف التجاري ألا يخالف النظام العام في المملكة، وهو مجموعة الاعتبارات السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع، فلابد للعرف من أن يتوافق ويتسق مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، ويجب ألا يتعارض مع نص القانون مثلما نص المنظم السعودي.

4.   القدم.

يجب أن يتوافر شرط القدم لأجل ضمان ثبوت العرف وتكرار العمل به، ويقصد بالقدم هو نشوء العرف إلى زمن بعيد يكفي للدلالة على تأصيلها في النفوس، أي أن السلوك قد مضى على تكراره مدة زمنية كافية وتوارث عبر الأجيال المتعاقبة لكي يترسخ في الوجدان والضمير العام للمجتمع.

رابعاً: - التطبيق القضائي للعرف في المحاكم التجارية.

في احد الأحكام الصادرة عن المحكمة التجارية بتاريخ 17/3/1445 هجرياً (لما كان وكيل المدعية يطالب في دعواه بإلزام المدعى عليها بـتسليم الثمن بمبلغ قدره أربعمائة وخمسة عشر ألف وخمسمائة وثلاثة وخمسون ريال وأربعون هللة. قيمة منتجات غذائية متنوعة وحيث قدم بينته على ذلك والمتمثلة في ورقة مصادقة الرصيد والمذيلة بختم المدعى عليها ولمّا كان الأصلُ في ورقة المصادقة تجسيدُها لإقرارِ مُمْضيها، ولما كان الإقرارُ حجةً، ولا عذر لمن أقر، وأنَّ على اليد ما أخذت حتى تؤديه؛ فضلا عن المستقر فقهاً وقضاءً ومما جرت عليه تعاملات التجار؛ أن المصادقة على الرصيد تُعَدُّ في أصلها إقراراً من قِبل المُصادق يُثبت مبلغ المصادقة في ذمته، فلا تُطَّرحُ إلا بما يُثبت سداد قيمتها أو جزءاً منها أو بما يُثبت صدورها بالخطأ رجوعاً إلى الأوراق والدفاتر والسجلات، فحكمت الدائرة: بإلزام المدعى عليها بدفع المبلغ المطلوب للمدعي) .

الخاتمة: -

لقد تم خلال البحث بيان العرف التجاري كوسيلة إثبات أمام المحاكم التجارية، ويوجد في منصة محاكمة قسم كامل عن القضايا التجارية والتي تم استخدام العرف التجاري فيها كوسيلة من وسائل الإثبات التجاري، وهذا القسم مقسم إلى أحد عشر ملفاً منفصلاً، يناقش العديد من القضايا المختلفة مثل قضايا الأوراق التجارية والمقاولات والتوريد والبيع وغيرها من القضايا الأخرى المختلفة.

المصادر: -

1.   نظام المحاكم التجارية الجديد بقرار مجلس الوزراء رقم (511) بتاريخ 14/8/1441 هجرياً.

2.   قسم القضايا التجارية، منصة محاكمة، 23 يناير 2024م.

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لكي تتمكن من إضافة تعليق تسجيل الدخول