هل تعتبر التصفية مجرد إنهاء للنشاط التجاري، أم أنها تمثل مرحلة أساسية للدائنين للحصول على حقوقهــــم؟
هذا التساؤل يقودنا إلى فهم فلسفة التشريع السعودي الحديثة في ربط حماية السوق واستقراره من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى حماية الدائنين والمستثمرين؛ لضمان استمرار السوق الاقتصادي وجذب الاستثمارات.
أولاً: الطبيعة القانونية للتصفية:
التصفية ليست مجرد إجراء شكلي أو نهاية إدارية للشركة، بل هي مرحلة قانونية مكتملة الأركان تهدف إلى:
1- تحويل أصول الشركة إلى أموال قابلة للتوزيــــــــــــــع.
2- سداد الديون والالتزامات حسب ترتيبها النظامــــــــــي.
3- إغلاق الدفاتر والعمليات المالية والضريبيـــــــــــــــــــــــة.
4- إنهاء الشخصية الاعتبارية للشركة بعد توزيع الحقوق.
ويُلاحظ أن التشريع يعامل الشركة أثناء التصفية ككيان "مقيد الأهلية"؛ فتقتصر إرادتها على ما يخدم عملية التصفية ولا يجوز لها ممارسة نشاط جديد.
ثانياً: هل التصفية تعني انتهاء النشاط التجاري؟
نعم، من الناحية العمليـــــة والقانونيـــــــة.
التصفية تمثل:
- وقف ممارسة الأعمال التجاريـــــــــــــــــــة.
- تجميد الأنشطة والعقود المستقبليـــــــة.
- انتقال سلطة الإدارة إلى أمين الإفلاس بدلًا من المديرين أو مجلس الإدارة.
- منع أي تصرف لا يتصل بتحقيق غرض التصفية.
وهذه الفكرة موجودة صراحةً في نظام الشركات؛
فلا تنقضي الشركة بمجرد حلّها، بل تستمر إلى حين انتهاء التصفيـــــــــة.
ثالثاً: التصفية كضمانة للدائنين:
من الناحية الاقتصادية، تُعد التصفية صمام أمان للدائنين؛ لأن النظام يمنحهم:
1- أولوية في التوزيع بحسب نوع الديـــــــــــن.
2- إعلانا عاماً ببدء التصفية ليتمكنوا من تقديم مطالباتهـــــــــــــــم.
3- حماية من أي تصرفات تهدر أصول الشركة خلال هذه المرحلة.
4- شفافية مالية من خلال تقارير أمين الإفـــــــــــلاس.
5- مراجعة توزيع الأصول أمام القضاء عند الضرورة.
رابعاً: البعد الاقتصادي للتصفيـــــــــة:
التصفية ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي مرتبطة بالاقتصاد الوطني.
فعندما يعالج النظام خروج الشركات بطريقة عادلة ومنظمة، فإنه:
1- يقلل المخاطر على المستثمرين والدائنيـن.
2- يعزز جاذبية السوق السعـــــــــــــــــــــــــــــــودي.
3- يحد من حالات الهروب أو التلاعب بالأصول.
4- يُظهر مستوى نضج التشريعات وقدرتها على التعامل مع تعثر الشركات.
يمكن القول إن التصفية تمثل مرحلة انتقالية حساسة؛
فهي تنهي النشاط التجاري بحكم الواقع، لكنها في الوقت ذاته تمنح الدائنين فرصة عادلة لتحصيل حقوقهم وفق ترتيب نظامي يضمن الاستقرار والثقة في البيئة الاقتصادية.
وبذلك فإن التصفية ليست نهاية مطلقة، بل هي إجراء عدالة مالية، يُنهي النشاط من جهة، ويُعيد توزيع الحقوق والالتزامات بشكل منظم من جهة أخرى، بما يتماشى مع توجهات المملكة في تعزيز الشفافية وحماية حقوق المتعاملين في السوق.