أمثلة تطبيقية للقرارات الإدارية السلبية التي لا يتقيد الطعن عليها بموعد معين.
بقلم: إيمان السيد
مقدمـــــة:
تُعد القرارات الإدارية السلبية أحد الأركان الأساسية التي تناولها القضاء الإداري في المملكة العربية السعودية، وتمثل صورة من صور امتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ قرار كان يتوجب عليها اتخاذه وفقًا للنظام، سواء كان هذا الامتناع صريحًا أو ضمنيًا.
ويمتاز هذا النوع من القرارات بأنه لا يخضع للأجل المحدد للطعن، بخلاف القرارات الإيجابية التي يشترط النظام التظلم منها في مواعيد معينة.
وقد أولت محاكم ديوان المظالم اهتمامًا كبيرًا بمسألة القرارات السلبية، من خلال مجموعة من الأحكام التي رسّخت المبادئ القضائية المستقرة في هذا الشأن.
ويهدف هذا المقال إلى إبراز بعض التطبيقات القضائية المستمدة من منصة "محاكمة"، لإيضاح نطاق القرارات السلبية وآثارها.
أمثلة تطبيقية من منصة "محاكمة":
· امتناع جهة تعليمية عن تعيين مبتعثه على وظيفة "أستاذ مساعد" رغم تحقق شروط التعيين:
في حكم صادر عن المحكمة الإدارية في القضية رقم 4359 لعام 1442هـ والمؤيد من محكمة الاستئناف الإدارية بموجب القضية رقم 319 لعام 1443هـ.
قضت الدائرة المختصة بإلغاء قرار جامعة الطائف السلبي والمتمثل في امتناعها عن تعيين المدعية على وظيفة "أستاذ مساعد"، رغم ابتعاثها من قبل الجامعة للحصول على درجة الدكتوراه في تخصص يخدم حاجتها الأكاديمية، وتوفر جميع الشروط النظامية للتعيين.
ورأت المحكمة أن الامتناع غير المبرر عن التعيين بعد تحقق الغرض من الابتعاث يخالف مبدأ العدالة ويعد قرارًا سلبيًا غير مشروع، مما يجيز الطعن فيه دون التقيد بميعاد؛ وذلك تأسيسًا على مخالفة القرار للأنظمة والتعليمات ولجوء الجهة الإدارية إلى التفرقة غير المبررة بين الموظفين في ذات الظروف، وهو ما يخل بمبدأ المساواة أمام القانون.
· امتناع الإدارة عن صرف مكافأة التخرج لأحد الخريجين بعد تعيينه في السلك الوظيفي:
في القضية رقم 8551 لعام 1442هـ، والمؤيدة بقرار محكمة الاستئناف في القضية رقم 4782 لعام 1443هـ، قضت المحكمة بإلزام الإدارة العامة للتعليم بمحافظة جدة بصرف مكافأة التخرج البالغة خمسين ألف ريال لأحد خريجي جامعة أم القرى بعد تعيينه في وظيفة معلم؛ وذلك تطبيقًا للأوامر السامية الصادرة عام 1401هـ، وقرار مجلس الوزراء رقم (473) لسنة 1439هـ.
ورأت المحكمة أن امتناع الجهة عن صرف المكافأة رغم استيفاء المدعي لجميع الشروط يشكّل قرارًا سلبيًا لا يخضع لمدد التقادم، ويحق للمدعي الطعن فيه في أي وقت، ما دام الامتناع قائماً ولم يصدر قرار إيجابي بالرفض.
· امتناع البلدية عن فتح وسفلتة شارع مؤدِ إلى عقار مملوك للمواطنين:
في القضية رقم 4930 لعام 1442هـ، والمؤيدة بالحكم الصادر في القضية رقم 2254 لعام 1443هـ من محكمة الاستئناف الإدارية، نظرت المحكمة دعوى مُواطن تضرر من امتناع أمانة منطقة عسير عن فتح وسفلتة الشارع الوحيد المؤدي إلى عقاره رغم أن العقار مملوك بصك شرعي، ورغم ورود مطالبة سابقة بذلك ضمن مشروعات البلدية.
ورأت المحكمة أن هذا الامتناع يعد قرارًا سلبيًا مستمرًا، لا يتقيد الطعن عليه بميعاد، ويخالف واجبات الجهة الإدارية المنصوص عليها في المادة الخامسة من نظام البلديات والقرى.
كما اعتبرت أن تذرع الجهة بعدم توفر الاعتمادات المالية لا يبرر الامتناع عن أداء واجبها الأساسي، خاصةً مع إثبات أن الطريق هو المنفذ الوحيد للعقار، ما استوجب الحكم بإلغاء القرار السلبي.
· امتناع البلدية عن استكمال إجراءات جعل ممر أمام منزل خاص بالمشاة:
(قضية رقم 11272 لعام 1440هـ – تأييد: 3054 لعام 1441هـ).
نظرت المحكمة دعوى مواطن ضد بلدية محافظة الخبر بسبب امتناعها عن استكمال تحويل ممر واقع أمام منزله إلى ممر مشاة نظامي، رغم أن المخطط المعتمد يخصصه كممر بعرض 6 أمتار.
وتبين أن البلدية لم تبرر هذا الامتناع بمستند نظامي، وأقرت أن الممر مخصص للمشاة؛ فقررت المحكمة أن هذا الامتناع يمثل قرارًا سلبيًا مخالفًا للأنظمة البلدية، وأكدت أنه لا يخضع لميعاد تقادم لكونه قرارًا سلبيًا مستمرًا.
· امتناع الجهة الإدارية عن إعادة رسوم تجديد رخصة لعامل غادر البلاد:
(قضية رقم 1632 لعام 1442هـ – تأييد: 396 لعام 1443هـ).
قضت المحكمة بإلغاء القرار السلبي الصادر عن الجهة الإدارية والمتمثل في امتناعها عن إعادة مبلغ قدره 9,567 ريالًا، كانت المدعية قد دفعته عن طريق الخطأ لتجديد رخصة عمل لعامل قد غادر البلاد مغادرة نهائية قبل تاريخ السداد.
ورأت المحكمة أن بقاء المبلغ لدى الجهة دون وجه حق يخالف أحكام نظام العمل، ولا يستند إلى سند نظامي، وأن القرار يُعد قرارًا إداريًا سلبيًا يجوز الطعن عليه في أي وقت، ولا يخضع للقيود الزمنية المنصوص عليها في المادة الثامنة من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم.
خاتمــــة:
تؤكد هذه السوابق القضائية على أهمية الرقابة القضائية على القرارات الإدارية السلبية، خصوصًا عندما تمس حقوقًا وظيفية مشروعة.
وتُعد منصة "محاكمة" من أبرز المنصات القانونية التي تتيح الوصول إلى مثل هذه التطبيقات القضائية الثمينة؛ ما يعزز من فقه القضاء الإداري، ويدعم ممارسات المحامين والباحثين القانونيين في الإحاطة العملية بمفاهيم العدالة الإدارية وضبط سلطة الإدارة.
ويُوصى بالرجوع المستمر إلى المسائل القضائية الإدارية المنشورة على المنصة؛ لاكتساب فهم أعمق لتوجهات القضاء وللتطبيقات الفعلية للمبادئ النظامية في المملكة.