المقدمة: -

يترتب على وقوع أي جريمة من الجرائم في المجتمع أن تحدث نتائج سلبية، وينشأ عن ذلك دعوى قضائية تسمى بالدعوى الجزائية، وهي تهدف إلى الحصول على حكم قضائي من القضاء الجزائي المختص لأجل الفصل في موضوع الجريمة وتحديد الشخص المسؤول عنها، وتلك الدعوى يملكها المجتمع وتباشرها باسمه، وتنقسم الدعوى الجزائية إلى دعوى جزائية عامة وخاصة ، وهذا النوع من الدعاوى ينقضي طبقاً لظروف محددة حددها نظام الإجراءات الجزائية ، وخلال هذا المقال سيتم توضيح أسباب انقضاء الدعوى الجزائية في المملكة العربية السعودية.

اولاً: - انقضاء الدعوى الجزائية العامة.

تعرف الدعوى الجزائية العامة بإنها هي المطالبة بعقوبة المعتدى أو المفرط لحق الله، ويطبق عليها ما ورد في نظام الإجراءات الجزائية، والهدف منها تأديب الجاني واستقامته وإصلاح المجتمع وحفظ أمنه، وتلك الدعوى تنقضي بعدة أسباب تم النص عليها على سبيل الحصر في المادة (22) من نظام الإجراءات الجزائية، وتلك الأسباب كالتالي:-

  1.  صدور حكم نهائي:

الحكم البات هو الحكم الذي لم يعد قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن وهي الاستئناف والنقض، ويعتبر الحكم بات ايضاً لفوات مواعيد الطعن المنصوص عليها نظاماً دون أن يستعمل المحكوم عليه حقه في الطعن؛ وإما باستنفاد طرق الطعن؛ وإما لأن الحكم الصادر لم يكن ابتداءً قابلاً للطعن، ويعتبر الحكم الصادر من محكمة التمييز أو الذي لم يتم الطعن به باتاً على الرغم من أنه يجوز أن يطعن عليه بالتماس إعادة النظر.

ولا يجوز للقاضي الرجوع عن حكمه المكتسب القطعية إلا بعد حضور الطرفين وتطبيق تعليمات الاستئناف، وإذا كان الرجوع أثناء التدقيق من المحكمة المختصة، فلا بد من تأييد الرجوع من عدمه، وبصيرورة الحكم باتاً تنقضي الدعوى الجزائية العامة ولا يجوز أثارتها مرة أخرى ولو ظهرت أدلة أو ظروف جديدة ،  حيث تكتسب قوة الحكم المقضي فيه.

2.     عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.

يحق لولى الأمر أن يصدر عفو، وهذا العفو يعد أحد أسباب انقضاء الدعوى الجزائية العامة، ويحق لولي الامر العفو عن العقوبات التعزيرية للحق العام، متى كان في ذلك مصلحة تعود على المحكوم عليه أو على المجتمع ، فالعفو الشامل أو العفو عن الجريمة هو عبارة عن إجراء قانوني يرفع الصفة الجزائية عن الفعل المرتكب فيصبح غير معاقب عليه في القانون، وغالباً ما يتناول الجرائم السياسية أو الجرائم التي ترتكب  بغرض سياسي ، ويختلف عن العفو في العقوبة ، حيث أن العفو في العقوبة يتناول أسقاطها فقط أو تخفيفها.

إذن أن لولى الأمر الحق في العفو عن الحق العام ، وذلك فيما يمكن لولى الأمر أن يعفو عنه ، ونص المادة لم يصرح فيما يمكن أن يدخله من عفو ، وبالتالي يكون المرجع للشريعة الإسلامية التي تعد الأساس العام للتشريع في المملكة العربية السعودية، ويشترط للعفو ألا تكون العقوبة حداً من الحدود ، فإذا كانت العقوبة حدية ، فلا يسرى عليها العفو ، ولكن العفو يقتصر على العقوبات التعزيرية ؛ وهذا ما بينه تعميم وزير الداخلية رقم ( 3152) بتاريخ 1/6/1421 هجرياً الوارد فيه ما نصه : ( يجوز لولي الأمر العفو عن العقوبة التعزيرية ، وإذا لم يكن التعزير لحق آدمي)

3.     ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة.

تعد التوبة أحد أسباب انقضاء الدعوى الجزائية العامة معتمداً في ذلك على ما جاء في الفقه الإسلامي، حيث أن التوبة هي الندم والاقلاع عن المعصية لأنها فيها ضرراً لبدنه ماله، والعزم على عدم العود اليها اذا قدر ذلك، ولم يقدم نظام الإجراءات الجزائية أي تفصيلات في موضوع التوبة من حيث ماهيتها وشروطها وأثرها على الدعوى العامة بل ترك الامر في تطبيق أحكام التوبة راجع الى اجتهاد القاضي الجزائي حسب ما جاء في الفقه الإسلامي.

ولقد قررت المحكمة العليا بهيئتها الدائمة قبول رجوع من رجع تائباً مقراً بجريمة حدية في الحق العام؛ ولو بعد صدور الحكم واكتسابه الصفة النهائية، ومع مراعاة إنه متى صدر الإقرار القضائي مفصلاً من المكلف المختار بجريمة حدية في الحق العام وأيدته القرائن، فلا يقبل الرجوع عنه ما لم يظهر ما يؤيد صحة الرجوع. 

4.     وفاة المتهم.

يعد وفاة المتهم أحد أسباب انقضاء الدعوى الجزائية العامة، وهذا طبقاً لمبدأ شخصية المسؤولية، حيث أن الدعوى الجزائية لا تتحرك أو ترفع إلا على مرتكب الجريمة، فإذا توفي فإنه من الطبيعي أن تنقضي ومعها ينقضي حق المجتمع في اقتضاء العقاب من المتهم، وهذا لأن المدعي عليه في الدعوى يجب أن يكون شخصا حياً حيث لا يتصور مباشرة الإجراءات ضد شخص ميت ، وهذا لأن الدعوى الجزائية شخصية ولا معنى للسير في إجراءاتها عند وفاة المتهم .

يترتب على انقضاء الدعوى الجزائية العامة بوفاة المتهم انقضاء جميع العقوبات الصادر بها الحكم؛ إلا أن ذلك لا يحول دون الحكم بمصادرة أداة الجريمة أو حصيلتها، إذا كانت حيازتها تعتبر جريمة، ولا يوجد تأثير لوفاة المتهم على دعوى الحق الخاص الذي ينتقل الى الخلف العام وهم الورثة في حدود تركة المتهم المتوفي.

ثانياً: - انقضاء الدعوى الجزائية الخاصة.

نصت المادة (23) من النظام على “تنقضي الدعوى الجزائية الخاصة في إحدى الحالتين الآتيتين:

1-     صدور حكم نهائي.

2-     عفو المجني عليه أو وارثه.

ولا يمنع عفو المجني عليه أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام."

وفى حين نصت المادة (11) من اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية على "

1-     إذا كان هناك أكثر من مجني عليه في الدعوى الجزائية الخاصة أو كان له أكثر من وارث؛ فلا يمنع عفو البعض من استمرار دعوى الباقين.

2-     يُراعى عند تصديق عفو المجني عليه، أو وارثه من بعده، ما جاء في المادة (التاسعة والعشرين) من النظام والمادة (السابعة عشرة) من اللائحة."

يتضح من ذلك إن الحالات التي تنقضي فيها الدعوى الجزائية الخاصة هي حالة صدور حكم نهائي في الدعوى، حيث انه من غير الجائز معاقبة المتهم عن ذات الجرم مرتين، لأن في ذلك مخالفة لقواعد العدالة، ولما نص عليها النظام، ويصم الحكم بالفساد في الاستدلال والذي معه يكون واجب نقضه.

والحالة الأخرى هي حالة عفو المجني عليه أو ورثته عن المتهم وفي تلك الحالة تنقضي الدعوى الجزائية الخاصة بالنسبة للمتهم.

الخاتمة: -

لقد تم خلال المقال بيان حالات انقضاء الدعوى الجزائية في نظام الإجراءات الجزائية، من خلال توضيح حالات انقضاء الدعوى الجزائية العامة والخاصة، وفى منصة محاكمة يوجد شرح مفصل لنظام الإجراءات الجزائية، وبالإضافة إلى شرح مفصل للعديد من الأنظمة القانونية الأخرى، ويمكن ايضاً الاطلاع على الاحكام القضائية المختلفة في المنصة.

المصادر والمراجع: -

  •  شرح نظام الإجراءات الجزائية (المجلد الأول من المادة الأولى الى المادة الخمسين)، قسم نظام الإجراءات الجزائية، منصة محاكمة، 29 مايو 2024م، صفحة (125 إلى 134)
  •   نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/2) بتاريخ 22/1/1435 هجرياً
  • اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (142) بتاريخ 21/3/1436 هجرياً.

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لكي تتمكن من إضافة تعليق تسجيل الدخول