نظام الإفـــلاس السعودي وتأثيــره على الشركـات والمستثمرين

 

 

يُعد نظام الإفلاس السعودي -الذي أُقِّر في عام 2018- نقلة نوعية في البيئة الاقتصادية والقانونية في المملكة. يهدف النظام إلى دعم الشركات المتعثرة وإيجاد حلول مرنة لمشكلاتها المالية بعيداً عن التصفية الفورية، وهو ما ينسجم مع أهداف رؤية السعودية 2030؛ لتعزيز الاستثمار وتحقيق التنوع الاقتصادي.

 

وتجدر الإشارة إلى أن نظام الإفلاس السعودي تم اقتباس بعض أحكامه من القانون الأمريكي، خاصةً فيما يتعلق بنظام إعادة الهيكلة والتسوية المالية. في الواقع، الولايات المتحدة تُعتبر رائدة في مجال قوانين الإفلاس، حيث تطور قانون الإفلاس الأمريكي ليشمل آليات معقدة ومرنة لمعالجة الإفلاس والتعثر المالي للشركات. وقد استفادت المملكة من هذا التطور والمرونة في القانون الأمريكى.

 

ويُعتبر نظام الإفلاس السعودي أداة فعالة في دعم الشركات المتعثرة، حيث يمنحها فرصة لإعادة هيكلة ديونها والتفاوض مع الدائنين في بيئة قانونية مرنة، هذه الإجراءات تقلل من المخاطر المالية المترتبة على التصفية، مما يوفر فرصاً للشركات؛ لاستئناف نشاطاتها الاقتصادية والعودة إلى السوق بشكل أقوى، ويمكن للشركات الاستفادة من الوقف المؤقت للإجراءات القضائية ضدها، كما هو مذكور في المادة 69، والتي تتيح للمحكمة تأجيل الدعاوى ضد الشركات في مرحلة إعادة الهيكلة.

 

ومن جهـــــــةٍ أُخرى؛

يوفر النظام السعودي بيئة أكثر أماناً للمستثمرين، حيث تضمن الآليات القانونية حماية لحقوقهم في حال تعثرت الشركات التي استثمروا فيها، كما أن إعادة الهيكلة تتيح للمستثمرين فرصة لاستعادة جزء من استثماراتهم بدلًا من خسارتها بالكامل في حالة التصفية، وتضمن المادة 60 من نظام الإفلاس السعودي حقوق الدائنين والمستثمرين من خلال تحديد آلية عادلة لتوزيع الأصول المتبقية في حال تصفية الشركة.

 

وكذلك يُسهم نظام الإفلاس السعودي في استقرار الاقتصاد الوطني، من خلال تعزيز شفافية الإجراءات التجارية وضمان حقوق الدائنين والمدينين على حدٍ سواء، كما يعكس القانون رغبة المملكة في خلق بيئة أكثر جذباً للاستثمارات، حيث يوفر آليات مرنة يمكن للشركات المتعثرة الاستفادة منها بدلاً من المخاطرة بالإغلاق النهائي، وتشير المادة 70 من القانون إلى التزام المحكمة بمراعاة مصالح جميع الأطراف؛ مما يعزز ثقة المستثمرين في البيئة القانونية.

 

بعد تطبيق نظام الإفلاس السعودي؛

شهد الاقتصاد السعودي تغيرات إيجابية بارزة، خاصةً في تحسين بيئة الأعمال وزيادة مستوى الاستثمارات الأجنبية، وفقاً لتقرير وزارة التجارة السعودية، وساعد القانون في تسريع إجراءات الإفلاس؛ مما ساهم في استعادة الشركات المتعثرة نشاطها الاقتصادي، في هذا السياق يمكننا ذكر النقاط التالية:

 

1)  زيادة مستوى الثقة في السوق: وفقاً لتقرير مؤسسة النقد العربي السعودي (SAMA)؛ فإن تطبيق قانون الإفلاس ساعد في رفع مؤشر الثقة في الاقتصاد السعودي، حيث بات المستثمرون أكثر إقبالاً على السوق السعودي بين عامي 2018 و2022، وارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية في المملكة بنسبة 15%.

 

2)  تحسين ترتيب المملكة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال: بحسب البنك الدولي؛ فقد ساهم قانون الإفلاس في تحسين ترتيب المملكة في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 في عام 2022، وهو تقدم ملحوظ يعكس تطور بيئة الأعمال والشفافية في التعاملات التجارية.

 

3)  توفير فرص إعادة الهيكلة: وفقاً لتقرير صادر عن الهيئة السعودية للملكية الفكرية؛ فإن الشركات التي استفادت من إجراءات إعادة الهيكلة في قانون الإفلاس حافظت على نحو 70% من الوظائف المتأثرة بالأزمات المالية، وهذا يعكس دور القانون في المحافظة على الاستقرار الوظيفي والاقتصادي في المملكة.

 

وختامــــاً؛

يُعد نظام الإفلاس السعودي خطوة متقدمة نحو تحسين بيئة الأعمال في المملكة، ويعكس رغبة السعودية في تبني أنظمة قانونية حديثة تواكب التطورات الاقتصادية العالمية، من خلال توفير آليات لإعادة هيكلة الشركات وحماية حقوق المستثمرين، ويعزز القانون من استقرار السوق ويشجع على استثمارات أكثر أماناً، وفي ظل رؤية المملكة 2030؛ يُتوقع أن يستمر تطوير هذا القانون ليشمل مزيداً من التحسينات؛ مما سيسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استدامة ومرونة.

 

ونؤكد على أنه من المهم الاستمرار في تحسين تطبيق قانون الإفلاس السعودي، مع التركيز على تسريع الإجراءات القانونية، وتوسيع نطاق الحماية للمستثمرين والشركات الصغيرة والمتوسطة، كما يمكن تعزيز التوعية القانونية لضمان فهم الشركات لحقوقها وواجباتها فهماً تاماً في إطار هذا القانون.

 

 

 

دينــا فؤاد فتــــــوح

محامية شركـــــــات

باحثة دكتـــــــــوراة

 

التعليقات

يجب عليك تسجيل الدخول لكي تتمكن من إضافة تعليق تسجيل الدخول