المقدمة: -
إن فهم الواقع القضائي لإجراءات الإفلاس تعد عامل في غاية الأهمية لأجل بناء التصور لنظام الإفلاس، وبما أن الأحكام تمثل الجانب التطبيقي للنظام حيث إن النظام في جملته هو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي لا يمكن تصورها من خلال النظر في النصوص القانونية فقط، بل يجب تسليط الضوء على أهم المسائل والأحكام القضائية، وخلال هذا المقال سيتم توضيح بعض الوقائع الهامة في الجوانب الشكلية، وهذا المقال يعد المقال الثاني في سلسلة مقالات تتحدث عن الوقائع القضائية في نظر طلبات افتتاح إجراءات الإفلاس المختلفة.
اولاً: - مدى تأثير التوقف عن ممارسة النشاط لمدة عامين قبل تقديم طلب التصفية الإدارية على قبول الطلب من عدمه.
التوقف عن ممارس النشاط يسبب في تعذر استيفاء المتطلبات النظامية لافتتاح الإجراء إذ نصت الفقرة «د» من المادة الخامسة من لائحة المعلومات والوثائق على أنه يجب يرافق طلب افتتاح الإجراء القوائم المالية إذا كان المدين شخصًا ذا صفة اعتبارية، وذلك عن آخر (عامين) ماليين قبل تقديم الطلب؛ ونصت الفقرة «ه» على (القوائم المالية) إذا كان المدين شخصًا ذا صفة طبيعية -إن سبق إعدادها-. وذلك عن آخر (عامين) ماليين قبل تقديم الطلب؛ ومع توقف النشاط فلا يمكن استيفاء هذه المتطلبات بطبيعة الحال.
حكم قضائي تطبيقي: -
(ولما كان مقدم الطلب يطلب افتتاح إجراء التصفية الإدارية وفقا لأحكام نظام الإفلاس، وبما أن الثابت من أوراق القضية أن مقدم الطلب متوقف عن ممارسة الأعمال التجارية منذ أكثر من عامين؛ وبما أن مقدم الطلب شخص طبيعي وما كان نظام الإفلاس الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/50) بتاريخ 28/5/1439 هجرياً، يسري على الشخص الطبيعي الذي يمارس أعمالا تجارية. أو مهنية؛ أو أعمالا تهدف إلى تحقيق الربح بناء على المادة الرابعة والتي تنص على أن" تسري أحكام النظام على كل من: أ- الشخص ذي الصفة الطبيعية الذي بمارس في المملكة أعمالا تجارية؛ أو مهنية ؛ أو أعمالا تهدف إلى تحقيق الربح، ولقد تبين ان مقدم الطلب - وفق ما قدمه في ملف القضية - غير ممارس لتلك الأعمال منذ أكثر من سنتين؛ بناء على ما قدمه في نبذة النشاط وأكدته قائمة الديون المقدمة منه والتي تفيد بتوقفه عن ممارسة الأعمال التجارية منذ سنوات وعدم حصوله على أي ترخيص بممارسة أعمال تجارة أو مهنية؛ مما تتحقق معه الدائرة إلى أن نظام الإفلاس لا يسري على مقدم الطلب؛ لكونه غير ممارس للأعمال المذكورة في المادة الرابعة من نظام الإفلاس؛ ويؤكد ما ذهبت إليه الدائرة أن المادة الرابعة من لائحة المعلومات والوثائق جعلت من متطلبات تقديم طلب افتتاح أي من إجراءات الإفلاس تقديم نبذة عن النشاط خلال الأربع والعشرين شهرة السابقة لتقديم طلب افتتاح الإجراء والمدين الذي لا يمارس عملا تجاريا أو مهنياً أو عملاً هادفاً للربح خلال الأربع والعشرين شهرة السابقة لتقديم الطلب لا يمكن أن يقدم النبذة المطلوبة. كما تشير الدائرة إلى ديون المدين غير ناشئة عن ممارسة أعمال تجارية؛ ولجميع ما سبق فإن الدائرة تنتهي بناء على ذلك إلى عدم قبول طلب مقدم الطلب.)
ومع ذلك فإن النظر القضائي في طلب افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي ربما يختلف عن غيره من الطلبات في مسألة مدى تأثير توقف المدين عن نشاطه وخصوصاً إذا تضمن طلب افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي ما يثبت جدية المدين في محاولة بث الروح مرة أخرى في نشاطه على أن يرفق ما يثبت إمكانية تجاوز أزمتنه وسداده لديونه وفق خطة ورؤية منطقية وقابلة للتطبيق، وهنا سابقة المدين عن ممارسة نشاطه مدة 12 سنة، ومع ذلك فلقد قررت المحكمة افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي.
ثانيا: - في حال تضمين الشريك أو المدين بصفته الشخصية فهل يحق له طلب افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي وهل نظام الإفلاس يحميه؟
في إحدى الاحكام القضائية الصادرة (كما أن السبب الرئيس لتعثره هو أنه تم تضمينه شخصيا الديون التي على شركة ... التي يتولى إدارتها بمبلغ قدره (27.883.460) ريالا وبما أن تضمين الشريك أو المدير ديون الشركة لا يكون إلا بناء على تعد منه أو تفريط. ومن ثم فإن نظام الإفلاس لا يمكن أن يحمي المدين الذي نشأت ديونه من مخالفته أو تجاوزه للنظام ما تنتهي معه الدائرة إلى الحكم بعدم قبول هذا الطلب)
ثالثاً: - مدى وجاهة رغبة الشريك بتصفية الشركة بسبب وجود مطالبات عليها كونها متعثرة ولا تصدر قوائم مالية.
وهل للشريك "إن لم يكن ممثلا للشركة" صفة في تقديم طلب افتتاح إجراء التصفية للشركة؟
في إحدى الأحكام القضائية الصادرة ،حكمت المحكمة ( ومن حيث نصت المادة الثانية والتسعون من نظام الإفلاس الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/50) بتاريخ 28/5/1439 هجرياً على أنه " دون الإخلال بأحكام الأنظمة ذات العلاقة للمدين أو الدائن أو المختصة التقدم إلى المحكمة بطلب افتتاح إجراء التصفية للمدين إذا كان المدين متعثراً أو مفلسا “ولما كان مقدم الطلب شريكا في الشركة وأنهض طلبه على سند صفته شريكا في الشركة وأنهض طلبه على سند صفته شريكاً فيها ، عليه ولا كانت حصص مقدم الطلب لا تشكل بنسبتها إلى إجمالي حصص الشركة ما يمكن أن يجسد قناعة الدائرة رغبة أغلبية للشركاء في الشركة بافتتاح الإجراء ، وكان مقدم الطلب لا يمثل الشركة المدعي عليها بمحض صفته شريكاً؛ تأسيسا عليه فإن الدائرة تنتهى الى عدم قبول الدعوى)
رابعاً: - هل يحمي نظام الإفلاس من يحصل على تمويل بطريقة غير نظامية؟
في إحدى الأحكام القضائية الصادرة في قضايا الإفلاس؛ حكمت المحكمة (حيث إن ديونه ناشئة عن شراء إبل وسيارات وفلل سكنية من أفراد طبيعيين بغرض - حسب دعواه - الحصول على تمويلات. وبما أنه وعلى افتراض أن غرضه من شراء الإبل والسيارات هو الحصول على تمويل؛ فإن الحصول على تمويل بهذه الكيفية يعد مخالفة نظامية؛ إذ إن التمويل محصور في الكيانات المرخص لها بالتمويل. ومن ثم فإن لجوء المدين إلى أفراد طبيعيين للحصول منهم على تمويل بصفته الشخصية ثم الاحتجاج عليهم بإفلاسه في تجارته غير سائغ. وما تقدم يعني عدم سريان نظام الإفلاس على المدين؛ لأن العبرة بالنشاط الذي نشأت عنه الديون، والديون ناشئة ع مخالفة المدين النظامية باللجوء الى أشخاص غير مرخصين للحصول منهم على تمويل، وبما أن مما يهدف إليه نظام الإفلاس حماية المدين المفلس أو المتعثر حسن النية الذي يمارس أعمالاً تجارية أو مهنية أو تهدف للربح، وبما أن المدين يعد مرتكباً لمخالفته نظامية يستحق العقوبة عليها بعد الثبوت، فلا يسوغ أن يكون مشمولاً بالحماية التي يوفرها نظام الإفلاس للمدين حسن النية)
الخاتمة: -
لقد تم خلال المقال بيان الجوانب الشكلية للواقع القضائي في نظر طلبات افتتاح إجراءات الإفلاس من خلال طرح العديد من الأسئلة القانونية الهامة، ولقد تم من قبل طرح العديد من الأسئلة في المقال الأول يمكن الاطلاع عليه على منصة محاكمة، وفي المنصة يوجد العديد من الأحكام القضائية بخصوص قضايا الإفلاس، وبالإضافة الى العديد من الدراسات والمؤلفات الأخرى التي تخص نظام الإفلاس ولائحته التنفيذية وتحليل قضايا الإفلاس.
المصدر: -
مقالات في قضاء الإفلاس، قسم الدراسات والمؤلفات، منصة محاكمة،27 يناير 2024م، ص (15إلى 20)